هل لحليب الصويا "آثار أنثوية" على الرجال حقا؟

Young man at home
لم يسبق لأي منظمة صحية كبرى أن حذرت من مخاطر مرتبطة بتناول الذكور حليب الصويا (غيتي)

"من المُستبعد جدا أن يتسبب حليب الصويا في أي تأثيرات أنثوية على الذكور، أو زيادة نمو الثدي لدى الرجال"، هذا ما قاله أستاذ التغذية المساعد في كلية طب "مايو كلينك" الدكتور دونالد هينسرود لصحيفة "واشنطن بوست" مؤخرا، في معرض تفنيده المخاوف المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، من أن حليب الصويا قد يؤدي إلى "التثدي" (بمعنى تضخم أحد الثديين أو كليهما عند الذكور، نتيجة لعدم توازن هرمونات الإستروجين والتستوستيرون، أو زيادة الدهون).

وهي المخاوف التي نفاها أستاذ التغذية بكلية الطب-جامعة تورنتو الدكتور ديفيد جينكينز، للصحيفة نفسها، قائلا "أوصي مرضاي من الجنسين بتناول حليب الصويا، حيث لا أعتقد أن له أي آثار سيئة، كما لم يسبق لأي منظمة صحية كبرى أن حذرت من مخاطر مرتبطة باستهلاكه"، مؤكدا أنه لم ير أي أبحاث تثبت أن حليب الصويا "يؤدي إلى نمو ثديي الرجال، أو التسبب في أي تأثيرات أنثوية لهم".

وفي عام 2015، قال أستاذ الطب بجامعة ستانفورد الدكتور كريستوفر جاردنر لموقع "فوكس" إنه "لا يوجد فرق كبير بين حليب الصويا وحليب البقر من ناحية التغذية، وأنه تناول حليب الصويا يوميا لمدة 30 عاما، ولم يحدث له شيء من هذا".

كما أوضحت مدربة الصحة المعتمدة من "مايو كلينك" سارة هايز كومر، لمجلة "فوربس"، أن الأبحاث أظهرت أن "فول الصويا ليس ضارا لمعظم الناس، باستثناء الذين يعانون من حساسية الصويا، بل هو مصدر قوي للعناصر الغذائية المفيدة للصحة".

Dairy products. Balanced nutrition. Closeup of glass of soy milk in man hand. Blur background.
الزعم الشائع بأن محتوى الصويا من الإستروجين النباتي يؤثر على الهرمونات الذكورية مجرد خرافة "غيتي"

فإذا كانت الإجابات العلمية تنفي صحة هذه المخاوف، فما السر وراء انتشارها؟

مجرد خرافة

من بين أسباب انتشار هذه المخاوف القول إن فول الصويا -كما البقوليات الأخرى- يحتوي على هرمون الإستروجين النباتي "الآيسوفلافون".

لكن الدكتور هينسرود يقول "إن مركبات الإستروجين النباتي تتمتع بخصائص مختلفة عن هرمون الإستروجين البشري، ولا تسبب نفس تأثيرات الإستروجين الضارة على الجسم"، ويضيف أن هذه المركبات الهرمونية "قد تكون وقائية من التأثيرات الضارة على الجسم".

موضحا أن الخبراء راجعوا نتائج دراستين مبكرتين أشارتا إلى أن "استهلاك الصويا ارتبط بتأثيرات أنثوية لدى الرجال"، ولاحظوا أن "المشاركين استهلكوا كميات كبيرة جدا من حليب الصويا، وصلت إلى 3 ليترات يوميا، وهو ما يتجاوز الحد الموصى به بعدة مرات".

وعلّق د. هينسرود قائلا "إن معظم الناس لا يشربون حتى هذا القدر من الماء يوميا، مما يجعل هذه النتائج لا تصلح للأخذ بها كدليل شامل على تأثيرات على الإستروجين النباتي الموجود في الصويا".

Soy milk in glass and soy bean on spoon it on white table background,healthy concept.
فول الصويا يحتوي على هرمون الإستروجين النباتي "الآيسوفلافون" (شترستوك)

لذلك، تقول كومر إن الزعم الشائع بأن محتوى الصويا من الإستروجين النباتي يؤثر على الهرمونات الذكورية، ويُقلل مستويات هرمون التستوستيرون لدى الرجال "هو مجرد خرافة".

مستندة إلى تحليل شمل 41 دراسة في علم السموم الإنجابية، ونُشر عام 2020، وقد أظهر أنه "ليس لبروتينات الصويا والآيسوفلافون أي تأثير كبير على الهرمونات التناسلية الذكورية".

العكس هو الصحيح

بالنسبة للنساء، غالبا ما تتمحور المخاوف بشأن الإستروجين النباتي، حول "الشعور بالقلق من أن تناول الصويا قد يزيد فرص الإصابة بسرطان الثدي"، لكن د. جينكينز يقول إن الدراسات "تدحض فكرة أن الصويا تزيد خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء".

وقالت أخصائية التغذية المعتمدة من "مايو كلينك" كاثرين زيراتسكي، لمجلة فوربس أيضا، "القول إن الصويا تسبب سرطان الثدي سببه الاعتقاد بأن ارتفاع هرمون الإستروجين أو الآيسوفلافون يرتبط بزيادة خطر الإصابة بهذا المرض"، لكن محتوى الصويا من الإستروجين "لا يكفي لتعريض النساء للخطر"، مُشيرة إلى أن مراجعة منهجية للدراسات ذات الصلة، أجريت عام 2022، وجدت أن "تناول الصويا لا يزيد خطر الإصابة بالسرطان"، بل اتضح في الواقع أن العكس هو الصحيح، وأن "استهلاك الصويا المعتدل يمكن أن يساعد في الحماية من سرطان الثدي لدى النساء قبل وبعد انقطاع الطمث".

هناك أدلة قوية على أن تناول الصويا له فوائد صحية عديدة مع مخاطر قليلة (غيتي)

كما أكد دكتور هينسرود أن "العديد من الدراسات أظهرت أن حليب الصويا ومنتجات الصويا الأخرى قد تقلل خطر الإصابة بسرطان الثدي"، بل هناك دراسات أخرى كشفت أن "تناول الصويا قد يقلل أيضا خطر تكرار الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء".

فقد أظهر تحليل جديد شمل 11 دراسة عن محتوى الصويا من الإستروجين النباتي الآيسوفلافون، شارك فيها حوالي 12 ألف امرأة، وراجعه باحثون من مركز "جونز هوبكنز" للسرطان، ونُشرت نتائجه مطلع هذا العام "ارتباط مركب الآيسوفلافون الموجود في الصويا بانخفاض خطر تكرار الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 26%".

أهم فوائد حليب الصويا

يقول دكتور هينسرود "إن هناك أدلة قوية على أن تناول الصويا يوفر فوائد صحية عديدة مع مخاطر قليلة"، وتؤكد كومر أن حليب الصويا "يقدم فوائد صحية" من أهمها:

  • بروتين أكثر، حيث توضح كومر أنه يجب على البشر أن يستهلكوا 9 أحماض أمينية أساسية لبناء العضلات، ودعم وظيفة المناعة والهضم، بالإضافة إلى الحفاظ على العديد من الوظائف المهمة الأخرى. والصويا تحتوي على جميع هذه الأحماض الأمينية الأساسية التسع، مما يجعله مصدرا كاملا للبروتين النباتي، فكوب من حليب الصويا يحتوي على حوالي 8 غرامات من البروتين، وهو ما يحتويه كوب الحليب البقري.
  • فيتامينات ومعادن مهمة، حليب الصويا ومنتجات الصويا الأخرى، مثل التوفو (حليب صويا مكثف في شكل كتل صلبة تُشبه الأجبان)، غنية بفيتامينات "بي" (B) والبوتاسيوم والمغنيسيوم، كما يتم تدعيمه بالفيتامينات والمعادن الأساسية الأخرى المهمة لنظام غذائي صحي، مثل الكالسيوم وفيتامين "دي" (D) والحديد.
  • مفيد للقلب، ينبه دكتور هينسرود إلى أن "حليب الصويا يمكن أن يكون له فوائد للقلب والأوعية الدموية، عن طريق خفض ضغط الدم والالتهابات والكوليسترول الضار"، وفقا لثلاث دراسات موسعة نُشرت عام 2020، ووجدت أن الصويا، خاصة عند تناوله على شكل توفو، يمكن أن يساعد في توازن مستويات الكوليسترول في الدم، ويقلل خطر الإصابة بأمراض القلب، كما يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض الشريان التاجي.
  • يُقلل أعراض انقطاع الطمث، فقد أظهرت دراسة، أجريت حول انقطاع الطمث عام 2021، أن "اتباع نظام غذائي يشمل فول الصويا، ساعد في تقليل الهبات الساخنة لدى المشاركات بنسبة 79%"، كما خلصت مراجعة لـ18 دراسة، أجريت عام 2022، إلى أن الآيسوفلافون الموجود في الصويا "فعال في تقليل خطر الإصابة بهشاشة العظام لدى النساء بعد انقطاع الطمث".
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية